الإجتهاد القانوني في تأطير الإضراب البحري بالمغرب
المادة 3 هي المنفد الرئيسي للولوج لمدونة الشغل :
في البداية لا بد من الإشارة أولا، إلى ما جاء
في المادة 3 من مدونة الشغل، التي تنصُّ على ما يلي :
(تظل فئات الأجراء الآتي ذكرها ومن ضمنها
البحارة، خاضعة لأحكام الأنظمة الأساسية المطبقة عليها، والتي لا يمكن بأي حال من
الأحوال، أن تقل عما تنص عليه مدونة الشغل من ضمانات) .
فإذا كانت فئة البحارة الوارد ذكرها في هذه
المادة أعلاه، والتي مازالت تخضع لحد الآن لقانون رجعي، وعاجز عن مواكبة التطور
والتقدم الحاصل على صعيد القطاع، والذي تمت ديباجته منذ ما يقرب من قرن من الزمن
وبالضبط في سنة 1919، فإن فئة البحارة تبقى هي الفئة المعنية الأولى بمضمون ما جاء
في المادة 3 من مدونة الشغل المغربية .
حق إضراب البحارة من خلال مضامين قانون الإضراب :
بما أن حق الإضراب مكفول دستوريا، فقد صاغه المشرع لكي
يتلاءم مع كل الفئات والشرائح العاملة، حيث نصت المادة 1 من قانون الإضراب على أنه
: ( تطبيقا لأحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 14 من الدستور، تحدد الشروط والإجراءات
التي يمكن معها ممارسة حق الإضراب، طبقا لأحكام هذا القانون).
أما المادة 2 من هذا القانون فد عَرَّفت الإضراب بأنه : (
هو توقف جماعي ومدبر عن الشغل، من أجل الدفاع عن مطالب مهنية.
والأهم من كل ذلك هو أن الشرع وضح بما لا يدعو إلى الشك،
الفئات المعنية بالحق الإضراب في مادته 3 التي تنص على أنه :
(يعتبر في مفهوم هذا القانون:
- أجيرا كل شخص يعمل تحت إمرة مشغل لقاء أجر أيا كان نوعه
أو طريقة أدائه؛
- مشغلا كل شخص طبيعي أو اعتباري بالقطاع العام أو الخاص
أو الشبه العمومي أو المنجمي ، يستأجر أجراء
لقيام بأعمال تحت إمرته؛
- مشتغلا لحسابه الخاص كل شخص يزاول مهنة حرة بصفة مستقلة
ولا يخضع عمله لأية علاقة تبعية.)
لا يجوز
قانونيا تعويض بحار مضرب عن العمل ببحار آخر مكانه :
حيث يظهر جليا عجز قانون 1919 عن مواكبة التطلعات والمتطلبات الظرفية
الزمنية الحالية، بل ويتصادم ويتنافى مع مضامين الدستور الجديد والمتقدم لسنة
2011، وخصوصا في شقه المتعلق بالإضراب الذي جعله المشرع المغربي حقا ثابثا، من
خلال ما عبر عنه الفصل 29 من الدستور صراحة، بحيث أن هذه الفئة التي هي فئة
البحارة بكل أصنافها، تبقى خاضعة للقانون البحري العائد لسنة 1919، والذي لا يوفر
أية حماية للبحارة الممارسين لحقهم الدستوري في الإضراب، وخصوصا في شقه المتعلق بحالة
إقدام المشغل، على تعويض البحارة المضربين ببحارة آخرين، وهو الخرق القانوني الذي
يجب أن يُحال معه البحار في هذه الحالة، تلقائيا وبشكل مباشر على المادة 3 من
مدونة الشغل، والتي تعد أكثر حماية للبحار من القانون البحري القديم، وغير المواكب
للتطورات والتغيرات الدستورة الجديدة، وبالضبط في إطار ما لم يرد النص عليه، في
الأنظمة الأساسية المطبقة على هذه الفئة، وبالإستناد أيضا في نفس السياق على
المادة 32، التي تَعْتَبِر مدة الإضراب كـفترة يتوقف فيها عقد الشغل مؤقتا لكنه لا
ينتهي، ولهذا فإن تعويض البحارة المضربين بكل أصنافهم ببحارة آخرين، في فترة توقف
عقد الشغل بسبب الإضراب، يعد ضربا للقانون ومخالفة صريحة لما تنص عليه المادة 32 من
مدونة الشغل، أما إذا ماكانت الشركة قد لجأت إلى تعويضهم ببحارة آخرين بغرض الضغط
عليهم، فإن المادة 16 من مدونة الشغل، تمنع تعويض أجير بآخر إذا كان توقف عقد
الشغل ناتجا عن الإضراب، وذلك بما نصه : ( تنحصر حالات إبرام عقد الشغل محدد المدة
فيما يلي : إحلال أجير محل أجير آخر، في حالة توقف عقد شغل هذا الإخير، ما لم يكن
التوقف ناتجا عن الإضراب.) وهو ما تؤكده المادة 496 من مدونة الشغل، التي تمنع
المشغل من اللجوء إلى أجراء مقاولة التشغيل المؤقت، إذا كان الغرض من ذلك هو إحلال
أجير محل آجير آخر، توقف عقده بسبب ممارسة حقه الدستوري في الإضراب، وذلك بما
نصُّه : (يلجأ المشغل إلى أجراء مقاولة التشغيل المؤقت، بعد إستشارة الهيئات
التمثيلية للأجراء داخل المقاولة، من أجل القيام بأشغال غير دائمة تسمى مهاما، في
الحالات التالية فقط : إحلال أجير محل أجير آخر في حالة غيابه، أوفي حالة توقف عقد
الشغل، ما لم يكن التوقف ناتجا عن الإضراب.)، وهو ما دهب إليه المشرع في قانون
الإضراب في المادة 16 التي تنص على أنه : (يمنع على
المشغل، خلال مدة الإضراب، أن يحل محل الأجراء المضربين أجراء جددا لا تربطهم
بالمؤسسة أية علاقة تعاقدية قبل تاريخ تبليغه بقرار الإشعار بالإضراب.)
وعليه فمن حق البحارة المضربين بشكل قانوني،
أن يعلنوا عن إضرابهم لدى السلطات المحلية والإدارة المشغلة، وذلك من خلال إطارهم
النقابي أو الجمعوي المنضوون تحته، وبالتالي يحق لهم أن يقوموا بمنع أي شخص دخيل،
من تعويضهم في مهامهم المضربين من أجلها، لأنهم بذلك يقومون بتنفيد شروط عقد
الإلتزام البحري، الذي يقضي بحماية السفينة وخدمتها طيلة مدة العقد، وبما أن العقد
أثناء الإضراب يبقى ساري المفعول، فإن شروط العقد تبقى سارية هي الأخرى، إستنادا
على مضمون المادة 167 من قانون الملاحة التجارية .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق