قراءة تحليلية لعـقــد
الإلـتــزام الـبحــري
) contrat d'engagement maritime
(
لقد جرت العادة والعرف البحري، على أنّ
العلاقة الرابطة بين البحارة بصفة عامّة، وبين المجهّزين هي علاقة متوترة وغير
قارّة، وتخرج في مجملها عن إطار المتداول في العلاقات العادية للشغل،
وعموما فإنّ النظام القانوني لتشغيل البحارة، يتمّ معظمه في إطار عقد الإلتزام البحري، وهو عقد شغل من نوع خاصّ، إستقلّ بقواعد خاصّة تميّزه عمّا هو مألوف في بقيّة عقود الشغل، إلّا أنّ ما يثير الإنتباه في مسألة هذا العقد هو المصطلح، الذي تبنّاه المشرّع المغربي من خلال قانون التجارة البحرية، حيث عبّر عن العقد الذي يربط بين المجهّز أو الربّان والبحّارة بعقد إلتزام بحري، ولم يستعمل لفظ عقد الشغل البحري كما أخد بذلك الفقه المغربي.
وعموما فإنّ النظام القانوني لتشغيل البحارة، يتمّ معظمه في إطار عقد الإلتزام البحري، وهو عقد شغل من نوع خاصّ، إستقلّ بقواعد خاصّة تميّزه عمّا هو مألوف في بقيّة عقود الشغل، إلّا أنّ ما يثير الإنتباه في مسألة هذا العقد هو المصطلح، الذي تبنّاه المشرّع المغربي من خلال قانون التجارة البحرية، حيث عبّر عن العقد الذي يربط بين المجهّز أو الربّان والبحّارة بعقد إلتزام بحري، ولم يستعمل لفظ عقد الشغل البحري كما أخد بذلك الفقه المغربي.
فقد جاء في الفصل 165 من قانون التجارة
البحرية أنّ : " كلّ عقدة أُبْرمت بين أحد مجهّزي البواخر أوممثّله، وبين
أحد البحّارة للقيام بإنجاز عمل، على ظهر باخرة مجهّزة تحت الراية المغربية،تعثبر
عقدة إلتزام البحار، ويسري عليها مفعول مقتضيات الظهير الشريف" ، فهذا العقد
يُبرم من أجل تقديم خدمة على ظهر سفينة معينة، وخلال رحلة بحرية أو عدّة رحلات، وتكون
هذه الخدمة لحساب المجهّز أو من ينوب عنه أوتحت إشرافه وخدمة للسفينة، بمعنى أنّ
المقتضيات المنظّمة لهذا العقد، تسري خلال فترات الإبحار، وليس عند عودة السفينة
من البحر ورسوها في الميناء، فأي عمل البحَّارخارج هذا الإطار يعثبر ممنوعا من
الناحية القانونية، فبغض النظر عن وجوب الأداء المادي عليه، فهو لا يضمن شروط
السلامة والوقاية من الحوادث .
◄ خصوصية وإنفراد عقد الإلتزام
البحري :
كما عمد المشرّع إلى تنظيم هذا العقد، الذي
حدّد له شروطا تختلف عمّا هو مألوف في قانون الشغل العادي، حيث مبدأ حرّية
التعاقد، فعقد الالتزام البحري لا يمكن للمتعاقدين فيه، الخروج عن الأحكام التي
إشترطها المشرّع المغربي، والمتمثّلة في ضرورة كتابة عقد الالتزام البحري، وهو
بذلك يشكّل إستثناءا من الرضائية، التي تتّسم بها عقود الشغل عموما، فهذا العقد هو
من العقود الشكلية كما لا يمكن إثباته إلّا بالكتابة، كما نصّ على ذلك الفصل 167
من قانون التجارة البحرية، حيث يتطلّب المشرّع المغربي لقيام عقد الالتزام
البحري شرط الكتابة، وإن كانت صياغة الفصل 167 من ظهير 31 مارس 1919 المتعلّق
بقانون التجارة البحرية، قد توحي بأن الكتابة التي يتحدّث عنها المشرّع، هي
للإثبات فقط وليست للإنعقاد، إلّا أنّه يبقى عقد الإلتزام البحري عقدا شكليّا، يجب
أن يكون مكتوبا وأن يتضمّن مجموعة من البيانات، التي يجب أن يتمّ إثباتها أمام
السلطة البحرية، وإلّا فتكون باطلة في نظر القانون البحري.
◄ شروط وضمانات عقد الإلتزام
البحري :
هذا فضلا عن أنّ المشرّع المغربي أحاطه
بمجموعة من الضمانات، حيث جاء بمجموعة من الشروط الشكلية، التي قلّ نظيرها بالنسبة
لباقي عقود الشغل الأخرى، تضمين العقد مجموعة من البيانات الإلزامية من قبيل :
● كتابة العقد كما تقدّم معنا . ● تحديد مدّة العقد سواء أكان محدّد بمدّة محدّدة
أولمدّة غير معيّنة أوللقيام برحلة ما . ●
كما يشار وجوبا في عقد الإلتزام البحري، إلى نوع الخدمة التي يتعهّد بها البحّار
(ربان، ضابط ميكانيكي، طباخ، ملاح..)
● تاريخ الشروع في مزاولة الخدمة .
● السفينة المعنية .
● مبلغ الأجرة طبعا .
وهذه البيانات الإلزامية هي على سبيل
الحصر، لكن ليس هناك ما يمنع الأطراف من إدراج بيانات أخرى، والشرط الثالث الذي
لانجد له نظيرا في عقود الشغل الأخرى، هوما يُعرف بشرط إنعدام إلتزام سابق أوعدم
جواز الجمع بين إلتزامين بحريين أوأكثر، بمعنى أنّه لا يمكن للبحّار أن يبرم
عقدَيْ إلتزام بحري في نفس الوقت، كما لا يمكن للبحّار أن يلتزم بموجب عقد جديد، إلّا
بعد أن يصبح حرّا من أيّ إلتزام سابق، وللتأكد من وضعية البحار يمكن الرجوع إلى
دفتره المهني البحري، لتحديد هذه الوضعية.
◄ مميزات عقد الإلتزام البحري
بالنسبة للبحارة :
إن أهمّ ما يميّز عقد الإلتزام البحري، وتبرز
خصوصياته على مستوى الممارسة العملية، هو تدخّل السلطة البحرية في مختلف مراحله، حيث
تتدخّل على ثلاثة مستويات كما يـلــــي :
1 ـ تسجيل بنود العقد في سجل البحارة : لكن المشرّع المغربي لم يحدّد البنود والشروط،
التي يجب أن تُضَمَّنَ في سجلّ البحارة أوتلحق به، رغم صعوبة إلحاق جميع عقود
إلتزام البحارة بهذا السجل.
2 ـ تأكد السلطة البحرية من أن المتعاقدين خاصة البحار
قد أدركا تماما بنود العقد وشروطه : ويتمثل ذلك بإلقاء أسئلة عليهما أوبقراءة نصّ العقد بصوت مرتفع، حسب ما نصّ
عليه الفصل 170 من قانون التجارة البحرية، إلّا أنّ هذا الشرط يتمّ إلغاؤه على
مستوى الممارسة العملية، نظرا لإكتفاء السلطات بالتعامل مع المجهّز أو نائبه فقط ،
ويتم التغييب التامّ للبحار في مرحلة التعاقد أمام هذه السلطة .
3 ـ تأشيرة السلطة البحرية على عقد الإلتزام البحري : وهي الموافقة التامّة على جهوزية العقد، والتوقيع
على إتمام الإجراءات التي وضعها المشرّع، كشرط أساسي لثبوث صحّة عقد الإلتزام
البحري .
◄ إلتزامات البحارة إتجاه المجهّز :
بعد إستنفاد هذه المراحل يكتب لعقد الإلتزام البحري الوجود القانوني، هذا
الوجود تترتّب عليه إلتزامات وهي التزامات ملقاة على الأجير البحار، وهي أداء
العمل المتّفق عليه، وإلتزام البحّار بعدم إستغلال السفينة لمصلحته الشخصية، وإلتزامه
بإنقاذ السفينة في حالة تعرّضها لخطر ما، وهذا الإلتزام هو إلتزام قانوني يفرض
تلقائيا على البحّار، حتى ولو لم يكن منصوص على ذلك في العقد.
◄ إلتزامات المجهّز إتجاه البحّارة :
في مقابل ذلك رتّب المشرّع المغربي على المجهّز أوممثله، مجموعة من الإلتزامات
نحو البحارة، وهذه الإلتزامات هي مجرد إلتزامات عادية وتتجسد في :
● أهمّ الإلتزامات الملقاة
على عاتق المجهّز، هو إلتزامه بإيواء البحارة و إطعامهم، وهو إلتزام تفرضه طبيعة
الشغل البحري، الذي يؤدّى في إنعزال شبه تامّ عن اليابسة، إضافة إلى ذلك فالمجهّز
ملزم وطبقا لما ينصّ عليه قانون التجارة البحرية، بعلاج البحار المصاب وبتحمّل كل نفقات
علاج البحّار، المصاب بمرض أو حادث وقع له أثناء تأدية مهامه على ظهر السفينة .
● كما أنّ إلتزام المجهّز
ليس مطلقا، حيث أعفى المشرّع المغربي الشركات، المتستغلّة للبواخر المجهّزة
للملاحة الساحلية، والتي تقلّ حمولتها عن 25 طن، وكذا الشركات المستغلّة لسفن
الصيد الصغير، من الإنفاق على علاج البحّار المريض، وأحالهم على القوانين المتعلقة
بالأجراء في حوادث الشغل، مستفيدين في ذلك من خضوع البحارة بمختلف أنواعهم، لظهير
1963 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، فضلا على أنّ التأمين على
حوادث الشغل لطاقم المكوّن السفينة هو إجباري.
● وهناك إلتزام آخر يُلقى على عاتق المجهّز أو
ممثله، وهو ترحيل البحار إلى وطنه وهو إلتزام قانوني، يُفرَض على المجهّز تلقائيا
ولا حاجة للتنصيص عليه في العقد، وهو يشمل مهنيي الملاحة التجارية البحرية، ويستثني
مهنيي قطاع الصيد، وإن كان الواجب يستلزم أن يستفيد هؤلاء أيضا، من تعويض ولو بسيط
عن المسافة التي تفصله عن مقرّ عمله، إن كنّا نفكّر ولو بديهيا في الشمولية من
جانبها الإجابي وليس السلبي .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق